د. راغب السرجاني
المشرف العام على الموقع
طبيب ومفكر إسلامي، وله اهتمام خاص بالتاريخ الإسلامي، رئيس مجلس إدارة مركز الحضارة للدراسات التاريخية بالقاهرة، صاحب فكرة موقع قصة الإسلام والمشرف عليه، صدر له حتى الآن 58 كتابًا في التاريخ والفكر الإسلامي.
ملخص المقال
ما الحل الأمثل لتعارف الشعوب وتحقيق التعايش التام بينها؟ من المؤكد أن التوجيه القرآني العميق فيه أمثل الحلول لكل المشكلات، وسورة الكافرون هنا في هذا
إنَّ الحلَّ الأمثل (لتعارف الشعوب وتحقيق التعايش التام): أن نلتزم بالتوجيه القرآني العميق، الذي قال فيه الله عز وجل: )قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلاَ أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلاَ أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ * وَلاَ أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ( [الكافرون: 1-6].
ولست مع مَنْ يقول: إنَّ سورة (الكافرون) كانت تُناسب مرحلةً معيَّنةً كان المسلمون فيها ضعفاء؛ بل إنَّني أجدها منهج حياةٍ دائمًا، ويا ليتنا نلتزم به في كلِّ الأزمان، فنحن لسنا مطالبين بإجبار الناس على تغيير عقائدهم، بل على العكس، فأنا أرى أنَّ هذا المنهج هو -حقيقةً- من روائع الإسلام، وهو من الأشياء التي نفخر أن نُقَدِّمها للبشريَّة.
وليس من قبيل المصادفة أنَّ رسولنا صلى الله عليه وسلم كان يُعلِّمنا أن نُكثر من ترديد هذه السورة خاصَّةً "سورة الكافرون" في أوقاتٍ كثيرةٍ من يومنا، ومن حياتنا، فكان يقولها صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم في أذكار الصباح والمساء، وكان من سُنَّته أن يقرأ بها في صلاة الفجر "سُنَّة صلاة الصبح"، وكان يقرؤها في سُنَّة المغرب، وكان يقرؤها في الركعتين خلف مقام إبراهيم عليه السلام بعد الطواف في العمرة أو الحج، وكان يقرؤها في ظروف أخرى كثيرة.
إنها إعلانٌ واضح رائع..
يقول فيه المسلم يوميًّا: أنا متميِّزٌ عن غيري ولي عقيدتي التي أعتزُّ بها. وفي الوقت نفسه يقول: أنا محترِمٌ لغيري متعايش معه، وأقبل أن يعبد ما يعبد، وأن يعتقد فيما يُريد أن يعتقد.
ولكن هل يعني هذا ألَّا يدعو أحد إلى عقيدته؟!
أبدًا.. لا يعني هذا الكلام سكوت الناس عن التعريف بدينهم.. بل هو واجبٌ عند معظم أتباع الديانات أن يَصِلُوا بعقيدتهم إلى العالم أجمع.. فما العمل؟
العمل هو الحوار الهادئ اللطيف الذي يعرض فيه كل طرف بنود عقيدته في سلاسة وبساطة، ولْنَتْرُك الناس يختارون ما يُريدون، فليس هناك وصي على أحد..
ويقول الله عز وجل في هذا الصدد: )وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ( [العنكبوت: 46]. فهو هنا لا يطلب المجادلة "بالحسنى" فقط، إنَّما يطلب المجادلة بالتي هي "أحسن"، بمعنى أنَّه كلَّما تبدَّت لك طريقةٌ ألطف وأرقُّ في الحوار فعليك بها، ولنترك الطرق الأقلَّ لطفًا أو رقَّة، فضلًا عن النزاع والصدام.
وما البديل عن المجادلة بالتي هي أحسن؟
وما البديل عن الحوار الهادئ اللطيف؟!
إنها الحرب التي لا تنتهي، والدمار الذي ليس مثله دمار!
المصدر:
كتاب المشترك الإنساني.. نظرية جديدة للتقارب بين الشعوب، للدكتور راغب السرجاني. ص: 150-151.
التعليقات
إرسال تعليقك